والرسل عليهم السلام محا الله تعالى غرائز الشر عنهم فهم أخل الخير المحض
وقد مكث سيدنا يوسف عليه السلام مع زليخا زمنا طويلا ولم ينظر إليها ولم تحدثه عن نفسه بذلك ، ولو رآها خارج الدار ما عرفها ، ولو كلف بوصفها لما استطاع أن يصفها. فإن قيل فما معنى : (ولقد همت به وهم بها) ؟ قال السيد محيى الدين بن عربي الحاتمي : تقابلت مع روح سيدنا يوسف عليه السلام فقلت له : ما هذا الاشتراك الذي ذكر في قوله (ولقد همت به وهم بها) ؟ قال لي : اشتراك في اللفظ لا في المعنى ، لأنها همت بإرادة الفاحشة وهممت بالخلاص منها
الدليل على براءة سيدنا يوسف عليه السلام
قال (باقر بطون المعارف) رضي الله تعالى عنه : والدليل عندي قوله تعالى (وأوحينا إليه لتنبئنهم بأمرهم هذا وهم لا يشعرون) فلولا أن الله أوحى إليه وجعله من النبيين والمرسلين المعصومين واصطفاه ونبأه مناماً وهو عند والده وأوحى إليه عند الجب لكان يهم بها كما يهم الرجال بالنساء لكنه رأى برهان ربه في المنام السابق والوحي المطران للنفس مرحومة بهما فلم يهم بها كما يهم الرجال أرباب النفوس الغير المرحومة بالعصمة بسبب النبوة والرسالة والتوفيق (إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي) بالنوبة والرسالة
كنت أحضر بالأزهر الشريف بعد المغرب عند شيخي الشيخ محمد بخيت مفتي الديار المصرية وذلك في عام 1253هـ
قال في هذه المسألة : (الصحيح أن البرهان هو العصمة التي يمن بها على أنبيائه ورسله عليهم الصلاة والسلام) أ هـ وفي قوله تعالى (كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلصين) دليلان جليلان
الأول : صرف الله السوء والفحشاء عنه ومن تولى الله صرف السوء والفحشاء عنه لا يخطر له ببال على كل حال لأنه ليس موكولا إلى نفسه بل تولى الصرف عنه من لا يعجزه شئ ومن بيده تقلبات القلوب وحركات الأنفاس لذلك كان الصرف عن سيدنا يوسف عليه السلام صرفا حكيما متقنا ، لأنه سبحانه خلصه من شئ شاق على النفس ، وقد بين ذلك سبحانه بقوله (وغلقت الأبواب) وقوله تعالى (ولئن لم يفعل ما آمره ليسجنن وليكونا من الصاغرين)(قال رب السجن أحب إلى مما يدعونني إليه) لأن السجن للمظلوم مكرمة ، لأنه إن كان نبيا كان رفعا لدرجاته ، وإن كان غيره من المسلمين كان تكفيرا لسيئاته ، كذلك يصرف الله السوء والفحشاء في كل زمان عن أوليائه وأصفيائه وأحبابه وعباده ، ويخلق لهم أسبابا لا يعلمونها لأمور لا يدركونها
فإذا أخلصت لله وشرعت في عبادته فلا تفكر في معصيته فإنه لاحظ لك فيها لأنه سبحانه يغار على عباده وأهل حضرة ذكره وتحق فيهم هذه الأوصاف التي يحبها ويرضاها لهم
والدليل الثاني : قوله تعالى (إنه من عبادنا المخلصين) أي الذين كتب الله تعالى عنده عصمتهم ومنع الشيطان عنهم كما في قوله تعالى (إلا عبادك منهم المخلصين) وكأن هذه المعاملة الطيبة تدخل تحت قوله تعالى (فلنحيينه حياة طيبة) فعباد الله الذين اختاروا عبادته وغرست في قلوبهم شجرة محبته فاهتزت أغصانها بنسمات أنه أقسم لهم الحق سبحانه بأن يحييهم في الدنيا حياة طيبة ، فهم لا شك ولا ريب في طيب حياتهم وصدق وعد ربهم وقال تعالى (إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون) الحسنى الإيمان والإسلام والتوفيق للقيام بالواجبات وترك المنهيات ، مبعدون في الدنيا عما يغضب الله تعالى من ترك واجب أو ارتكاب محرم قولا أو فعلا ظاهرا أو باطنا ، وفي الآخر مبعدون عن النار وعذابها
إذا علمت ذلك فاعلم أن الأنبياء عليهم السلام هم سادات من سبقت لهم الحسنى ، وسادات من وعدهم الله تعالى بالحياة الطيبة ويقول الله تعالى (الله أعلم حيث يجعل رسالته) يعني قبل أن يرسل رسولاً يعلم سبحانه به ويهيئه لتلك الرسالة بالعصمة والاستعداد الروحي والخلقي ، وعلى ذلك فالذي أعتقده أن نبينا محمدا r معصوم قبل النبوة وبعدها من كل صغيرة وكبيرة وعادة مذمومة . قد تولاه الله ولاية تسمو على كل ولاية قال تعالى (إن وليي الله الذي نزل الكتاب) أي تولى الله تعالى أمري كله في جميع أحوالي وتطوراتي ، وفي هذا المعنى يقال : تولى الله سبحانه نبيه وأدبه فأحسن تأديبه ورباه فأحسن تربيته ، وقيل لسيدنا على كرم الله وجهه : ما الحكمة في يتم النبي r قال : ليولى الله تعالى تربيته وحده سبحانه وتعالى
ولما برز r إلى الدنيا أضاءت الأنوار كالشمس إذ أشرقت للإشارة إلى أنه شمس الشموس وقمر الأقمار ونور الأنوار وسر الأسرار وزين المرسلين الأخيار (تبارك الذي جعل في السماء بروجا وجعل فيها سراجا وقمرا منيرا)
فالنبي r أول الشموس وأول الأقمار وأول الضياات وأول البركات وأول الرحمات . قال الرافعي مخمسا همزية البوصيري رحمه الله تعالى :
أنت شكل من محض نور تشخص وبلآلائه الوجود تقمص
وبمشكاته لدى من تفخص أن مصباح كل فضل فما
تصدر إلا عن ضوئك الأضواء
وقال النبهاني رحمه الله تعالى :
نورك الكل والورى أجزاء يا نبيا من جنده الأنبياء
وقال الشفا سيدي أبو العباس العرائشي الإمام السيد أحمد بن إدريس رضي الله تعالى عنه : (اللهم صل على سيدنا محمد نورك اللامع ومظهر سرك الهامع) وقال رضي الله عنه : (الذي فتحت ظهور العالم من نور حقيقته . وختمت كماله بأسرار نبوته) أشار بذلك إلى ما رواه الترمذي رحمه الله تعالى في سننه عن رسول الله r (كنت نبياً وآدم بين الروح والجسد)
وإلى قوله تعالى (وخاتم النبيين)
وقال البوصيري رحمه الله تعالى :
كاد أن يغشى العيون سنامنه لسر فيه حكته ذكاء
وذكاء من اسماء الشمس
كالشمس تظهر للعينين من بعد صغيرة وتكل الطرف من أمم
يعني أن الأبصار لا تستطيع أن تشخص في وجهه الشريف r لكثرة الأنوار وشدة الجلال . تهابه الأسد الضواري . وتتعلق بأذياله الوحوش في القفار
اللهم ارض عن القطب النفيس مولانا السيد أحمد بن إدريس
الفصل الثالث والعشرون :
شرح مولانا الشيخ صالح الجعفري رضي الله تعالى عنه على كلمة من الفتوحات المكية لسيدي محيي الدين بن عربي رضي الله عنه
ومما كتبه الشيخ الأكبر سيدي محيي الدين بن عربي رضي الله تعالى عنه في كتابه الفتوحات المكية في تفسير قوله تعالى (وكان حقا علينا نصر المؤمنين)
وأما لسان العموم في هذه الآية وهو نصر المؤمنين فنقول . إن الموحد إذا أخلص في إيمانه وثبت ، نصر على قرينه بلا شك فإذا طرأ عليه خلل ولم يكن مصمت الإيمان وتزلزل خذله الحق ، وما وجد في نفسه قوة يقف بها لعدوه من أجل ذلك الخلل فانهزم . فلما رآه عدوه منهزما تبعه وظهرت الغلبة للعدو على المؤمن . فما نصر الله العدو ، وإنما خذل المؤمن لذلك الخلل الذي داخله ، فلما خذله لم يجد مؤيداً فانهزم فبالضرورة يتبعه عدوه ، وما هو نصر للعدو وإنما هو خذلان للمؤمن لما ذكرنا أ هـ ج 2 ص 148
قال (باب المصطفى الساقي من بحر الصفا والوفا سيدي الشيخ) صالح الجعفري بعون الله العلي : يقول الله سبحانه (وكان حقا علينا نصر المؤمنين) ومن شروط الإيمان الخوف من الله تعالى وعدم الخوف من العدو قال تعالى (فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين) والنصر بالنصر (إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم) فأوجب الله النصر على نفسه للمؤمنين بشرائط لابد منها ، فإن أضاعوها تخلف النصر وخذلوا
ومعارك الحياة مختلفة ، فمعركة تحتاج إلى قتال كمحاربة العدو من الكفار ، ومعركة تحتاج على صبر وهي معركة البلاء والشهوات وأذى الخلق ، وكلها فيها نصر عند توفر الشروط فمثلاً إذا حدثت الإنسان نفسه بمعصية من المعاصي فتلك معركة والنصر فيها يكون بالإيمان بأن الله يسمع ويرى فإذا تحقق في ذلك أمده الله بالنصر وهو مخالفته لأمر نفسه وامتثاله لأمر ربه ، ثم يثبته الله على ذلك (إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم) ولابد للنصر من فتح ، وأجله وجهة تعرف الحق سبحانه إليك ، فإذا فتح لك وجهة التعرف جذبك إليه بجواذب الحب ، فإذا وصلت إليه غمسك في بحر الشوق ، ثم أجلسك على كرسي القرب
وقال تعالى (إذا جاء نصر الله والفتح) فبالنصر خلصك من الأكدار وبالفتح أجلسك مع الأبرار ، ثم سقاك من رحيق مختوم فترجمت بأنواعه الفهوم والعلوم
والمحبة لا تزداد ولا تنقص حتى لو قطع في معارك الحياة أو جرح . والصحابة رضي الله عنهم كانوا لا يزدادون بما يحصل لهم من الجراحات إلا إيماناً وتسليما (إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون وترجون من الله ما لا يرجون) فأثبت لهم الرجاء العظيم مع الألم
فتوحات ج2 ص 359 : (قالت المحبة) : لو قطعتني إرباً إرباً لم أزدد فيك إلا حبا يعني أنه لا ينقص حبنا لذلك ، وهو قول المرأة المحبة ، يقال إن هذا قول رابعة العدوية المشهورة التي أربت على الرجال حالاً ومقاما وقد فصلت وقسمت رضي الله تعالى عنها وهو أعجب الطرق في الترجمة عن الحب :
أحبك حبين حب الهوى وحبا لأنك أهل لذاكا
فأما الذي هو حب الهوى فشغلي بذكرك عمن سواكا
وأما الذي أنت أهل له فكشفك للحجب حتى أراكا
فلا الحمد في ذا ولا ذاك لي ولكن الحمد في ذا وذاكا
وقالت الأخرى جارية عتاب الكاتب :
يا حبيب القلوب من لي سواك ارحم اليوم زائرا قد أتاكا
أنت سؤلي وبغيتي وسروري قد أبى القلب أن يحب سواكا
يا منايا وسيدي واعتمادي طال شوقي متى يكون لقاكا
ليس سؤالي من الجنان نعيما غير أني أريدها لأراكا
ولنا في هذا النعت :
نعيمك أو عذابك لي سواء فحبك لا يحول ولا يزيد
فحبي في الذي تختار مني وحبك مثل خلقك لي جديد
ج 3 ص 358 : حكى أن خطافاً راود خطافه يبحها في قبة لسليمان عليه السلام ، وكان سليمان عليه السلام في القبة ن فسمعه وهو يقول لها لقد بلغ مني حبك أن لو قلت لي اهدم هذه القبة على سليمان لفعلت . فاستدعاه سليمان عليه السلام وقال له : ما هذا الذي سمعت منك ؟ فقال : يا سليمان لا تعجل على إن للمحب لسانا لا يتكلم به إلا المجنون ، وأنا أحب هذه الأنثى فقلت ما سمعت ، والعشاق ما عليهم من سبيل فإنهم يتكلمون بلسان المحبة لا بلسان العلم والعقل . فضحك سليمان ورحمه ولم يعاقبه أ هـ من الفتوحات المكية للشيخ الأكبر ابن عربي رضي الله تعالى عنه
ومما حفظته عن مشايخي للسيدة رابعة العدوية
كلهم يعبدونك من خوف نار ويرون النجاة حظا جزيلا
أو بأن يسكنوا الجنان فيحظوا بنعيم ويشربوا سلسبيلا
ليس لي في الجنان حظ أنا لا أبتغي بحبي بديلا
قد تخللت موضع القلب مني ولذا سمى الخليل خليلا
وكلام الشيخ محيي الدين رضي الله تعالى عنه يترجم عن أحوال المحبين ، وصفة الحب كالذوق في اللسان فيذوق به حلاوة العسل الحلال المملوك لأكله وحلاوة العسل المغصوب ، فمن وجه حبه إلى محرم فهو محب ومن وجه حبه إلى حلال فهو محب ، وأعلى درجات الحب ما كان لله ورسوله r وهو بغية السادة الصوفية
يقول سيدي عمر بن الفارض رضي الله تعالى عنه :
أحبه قلبي والمحبة شافعي لديكم إذا شئتم بها اتصل الحبل
ويقول :
وإن ذكرت في الحي أصبح أهله نشاوى ولا عار عليهم ولا إثم
ويقول :
وإن خطرت يوما على خاطر امرئ أحلت به الأفراح وارتحل الهم
لأن عندهم لا هم ولا غم ولا حزن في حضرة الحب والمشاهدة (فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون)
ففرحهم بالله أنساهم ما سواه ، وتلذذهم بذكره زهدهم في كل لذة فانية أو زينة خالية أو ظل زائل . قال ابن الفارض رحمه الله تعالى :
أشاهد معنى حسنكم فيلذ لي خضوعي لديكم في الهوى وتذللي
فهم يتلذذون بالخضوع والتواضع والانكسار والزهد والعزلة والشوق والتذكار والوجد والبكاء والسماع للقرآن والمدائح النبوية ، وزيارة المشاهد الطيبة كالكعبة ومقام إبراهيم وعرفات والمشعر الحرام ومني ، وزيارة المصطفى r ، والصلاة في الروضة الشريفة ، وكل ام يقدح زناد الشوق ويبعث تذكاراً شيقاً للروح لأنها محبة لله تعالى بفطرتها ، غير أن هذا الحب يحتاج إلى قدم كالزناد لكنه يحتاج إلى استعداد عظيم وجهاد كبير ، ويقال لغير المحب الصاد ما قاله ابن الفارض رحمه الله تعالى :
أتيت بيوتا لم تنل من ظهورها وأبوابها عن قرع مثلك سدت
ويقول :
تعرض قوم للغرام وأعرضوا
وخاضوا بحار الحب دعوى فما ابتلوا
ويقول سيدي عبد الرحيم البرعي رحمه الله تعالى :
خل الغرام لصب دمعه ودمه حيران توجده الذكرى وتعدمه
ما الحب إلا لقوم يعرفون به قد مارسوا الحب حتى هان معظمه
ويقول رحمه الله تعالى :
أنسمة طيب أم صبا طيبه هبا فأنعش قلبي للحبيب وقد لبا
وهيهات ما كل النسيم حجازيا ولا كل نور يملأ الشرق والغربا
ويقول البوصيري
أمن تذكر جيران بذي سلم مزجت دمعاً جرى من مقلة بدم
وهكذا أهل الحب لهم في حبهم جواهر المعاني ودرر البيان ، وعبارات تعبر عن حبهم وشوقهم وحالهم ما بين ناظم وناثر
اللهم ارض عن القطب النفيس مولانا السيد أحمد ابن إدريس
الفصل الرابع والعشرون
حياة الأنبياء في قبورهم
س. هل النبي r حي في قبره الشريف ؟
ج . نعم حي بحياة تفضل الحياة الأولى
س . ما الدليل على ذلك من الكتاب والسنة ؟
ج . الدليل من الكتاب قوله تعالى (ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات بل أحياء) قال العلماء : حياته r بالأولوية ومن السنة قوله r : (الأنبياء أحياء في قبورهم يصلون)
س. هل أجساد الأنبياء تفنى بعد الموت أم تبقى ؟
ج. تبقى سليمة إلى يوم القيامة
س. ما الدليل على ذلك من الكتاب والسنة ؟
ج. الدليل من الكتاب قوله تعالى (ما دلهم على موته إلا دابة الأرض تأكل منسأته) نقل البيضاوي أن سيدنا سليمان عليه السالم مكث سنة كاملة بعد الموت متكئاً على العصا ، فلو كان جسمه كجسم غيره بعد الموت لما مكث سنة كاملة كما هو ، ولم تعرف الجن أنه ميت
والدليل من السنة قوله r (إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء)
س. هل النبي r بجسمه وروحه في روضته ؟
ج. نعم هو بجسمه وروحه r
س. ما الدليل على ذلك من الكتاب والسنة ؟
ج. الدليل على قوله تعالى (إن الله وملائكته يصلون على النبي) وعبر بالمضارع لإفادة تجدد الحدث ، وكلمة النبي في مثل هذا تدل على الروح والجسد معاً ، فالله سبحانه وتعالى وملائكته يصلون على النبي حتى الآن وفيما بعد ، وقوله (صلوا عليه) أي على هذا النبي بجسمه وروحه
وقوله تعالى (وسراجا منيرا) أي بجسمه وروحه ، وهذا الوصف باق كما هو لم يتغير إلى ما شاء الله ، وتعجبني هذه المناظرة التي وقعت بين عالم مغربي وعالم آخر
قال العالم الآخر : إن النبي r قد مات ، وكان ذلك ضمن حديث دار بينهما
قال العالم المغربي نعم قد مات ولكن قال الله (وسراجا منيرا) فإن قلت طفئ بعد الموت كفرت ، وإن قلت لم يطفأ اتفقنا على أنه سراج منير في الحياة وبعد الممات
س. هل جمع الله النبيين والمرسلين ليلة الإسراء ببيت المقدس . وهل كان ذلك في اليقظة أم في المنام وهل حضروا بأرواحهم أن بأرواحهم وأجسادهم
ج. أجمع العلماء على أن الإسراء كان يقظة وسمعت من شيخنا الشيخ محمد بخيت المطيعي مفتي الديار المصرية رحمه الله تعالى يقول في هذه المسألة . جمع الله تعالى النبيين والمرسلين عليهم الصلاة والسلام ليلة الإسراء ببيت المقدس وهل كان ذلك بعالم الأرواح أم عالم الخيال أم عالم المثال أم علام الأشباح ؟
والصحيح أنهم حضروا بأجسادهم وأرواحهم أ هـ
قلت : أعظم دليل على أنهم حضروا بأرواحهم وأجسادهم تشبيه النبي r وسيدنا موسى بن عمران عليه السلام برجال شنوءة ، والروح لا تشبه بالجسد وكونه راكباً على ناقة حمراء والروح لا تركب النوق وقوله r : (فإذا أشبه الناس به صاحبكم) فشبه سيدنا إبراهيم r فلو كان روحاً ما شبهه بجسمه الشريف
وقوله r (رأيت موسى قائما عند قبره يصلي) والروح وحدها لا ترى على الأرض تصلي ، وهذا في البخاري ومسلم وغيرهما
س. هل ما ثبت للأنبياء والمرسلين بعد موتهم من حياة وانتقال من مكان إلى مكان وكلام وصلاة ودعاء وركوب للإبل يثبت ويجوز لنبينا r ؟
ج. نعم ويكون ذلك بالأولوية لقيام الإجماع على أنه r أفضل الأنبياء والمرسلين وأفضل خلق الله أجمعين
س. هل ورد في السنة الصحيحة أنه r يرد السلام على من يسلم عند قبره الشريف ؟ وهل يكون الرد بالروح أم بالجسم والروح ؟
ج. نعم ، ورد في السنة الصحيحة أنه r يرد السلام على من يسلم عليه عند القبر الشريف بجسمه وروحه ، قال r : (ما من أحد يسلم علي إلا رد الله على روحي فأرد عليه السلام)
س. هل حياة النبي r كحياة الشهداء أم تزيد عليها ؟
ج. حياته r بعد الموت تزيد على حياة الشهداء رفعة وعلواً وكرامة وإدراكاً وغيرة على نسائه رضي الله تعالى عنهن
س. ما الدليل على ذلك ؟
ج. الدليل قوله تعالى (وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده ابدا) تحريم تزويج نسائه r بعد موته ، وإباحة تزويج نساء الشهداء دليل ظاهر على أن حياته أرقى من حياة الشهداء . وقد منع الشرع زواج المرأة إذا غاب عنها زوجها حياً حتى يتبين الأمر وأباح تزويج جميع من مات أزواجهن إذا انقضت عدتهن
إذا علمت كلامي هذا فاعلم أنه r أحياه الله تعالى بعد الموت كما كان r ، ولغيرته على نسائه حرم الله تزويجهن على الغير
س. إذا ثبتت حياته بعد الموت فهل تجوز رؤيته يقظة . وهل هناك دليل صحيح على ذلك
ج. يجوز رؤيته r عقلا لأن العقل يجوز رؤية كل موجود . وإذا ثبت شرعاً بقاء جسمه الشريف بما تقدم من الآية والأحاديث ، وأن روحه ترد إليه فيعود كما كان ليرد السلام جاز عقلاً أن يرى على هذه الحالة ، والدليل الشرعي ما رواه البخاري وغيره من قوله r : (من رآني في النوم فسيراني في اليقظة)
أكثر العلماء على أنه يراه في الدنيا يقظة حملا للحديث على ظاهره
وقيل : يوم القيامة ، ورد هذا القول بأن جميع المسلمين يرونه r يوم القيامة سواء رأوه في النوم أم لم يروه ، وقد تركت الكلام في هذا البحث لما كتبه الحافظ السيوطي في كتابه المسمى (تنوير الحلك في رؤية النبي والملك) فإنه رضي الله عنه قد أجاد وأفاد . وقد ذكرت هذا البحث لأن طريق مشايخنا السيد أحمد بن إدريس والسيد السنوسي والسيد المرغني والسيد إبراهيم الرشيد والسيد الأهدلي رضي الله تعالى عنهم مبنى على هذا البحث
س. إذا ثبت أنه r حي عند ربه تعالى فما حكم ندائه في أي بلد كان ، كأن يقول السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته ، وإذا كان يجوز ذلك فما دليله ؟.
ج. يجوز أن يقوم الإنسان السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته في أي بلد كان ، والدليل ما رواه البخاري ومسلم وغيرهما من أنه r علم أصحابه أن يقولوا ذلك التشهد في الصلوات الفرائض وغيرها . وإذا جاز ذلك في الصلاة كان في غيرها من باب أولى
س. وهل يبلغه r وما الدليل عليه ؟
ج. نعم يبلغه ذلك لما رواه البخاري من قوله r حينما علم اصحابه أن يقولوا في التشهد السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين قال r : (فإنها تبلغ كل عبد صالح لله من أهل السماء والأرض) وهو r من خيرة عباد الله الصالحين
وهناك أحاديث تدل صراحة على أن الله وكل ملائكته يبلغونه r عن أمته الصلاة والسلام
وقد سمعت في عالم البرزخ عن الشيخ سليم البشري رحمه الله تعالى هذا الحديث (إن لله ملائكة يبلغوني عن أمتي الصلاة والسلام) قلت : وهذا الحديث في الجامع الصغير
س. هل دفنه في قبته الشريفة أمر مجمع عليه ؟
ج. نعم أجمع الصحابة رضي الله تعالى عنهم على دفنه r ببيت السيدة عائشة رضي الله تعالى عنها ، وهي حجرة ذات سقف بل كان r يعلم ذلك . للحديث الذي رواه الصديق رضي الله تعالى عنه : (ما قبض نبي إلا حيث يدفن) وقد أجمع الصحابة على قبول هذا الحديث
س. هل الدفن في حجرة مسقوفة من خصوصياته r أم يجوز لغيره ؟ وما الدليل ؟
ج. ليس من الخصوصيات التي ذكرها العلماء وقد دفن الصحابة أبا بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما بالحجرة ، فلو كان خصوصية ما دفنوهما معه r ، وقد أمر سيدنا عمر بذلك ، وقالت : السيدة عائشة كنت محتفظة به لنفسي واليوم لأوثرنه على نفسي ، فلو كانت خصوصية ما قالت ذلك
أوصي سيدنا أبو محمد الحسن بن على رضي الله تعالى عنهما أن يدفن بجوار جده قال : فإن منعوكم فادفنوني بالبقيع ، فمنعهم أمير المدينة لشئ في نفسه فدفن بالبقيع ، فلو لم يكن جائزاً لما أوصى به رضي الله تعالى عنه
س. ما حكم زيارته r بعد الموت ؟
ج. قيل واجبة وقيل سنة وقيل مستحبة
انظر كتاب الدر المنظم لابن حجر في هذا الموضوع
س. كيف يرد النبي r السلام ؟
ج . يقول : عليكم السلام ورحمة الله وبركاته
س. ما معنى هذا الكلام ؟
ج. معناه الأمان من الله عليكم ، والرحمة من الله تعالى عليكم والبركة من الله تعالى عليكم
س. هذا دعاء من النبي r لمن زاره وسلم عليه ، وقد ورد في الحديث أن دعوة النبي r مستجابة ، فهل بعد موته r مستجابة كذلك ؟
ج. نعم مستجابة لأننا قد أثبتنا لك أن رد السلام يكون بالروح والجسد ، وكان يدعو في الدنيا بالروح والجسد ، وإذا كان كذلك فلا فرق في الإجابة بين دعائه r في الحياة وبعد الممات
س. هل إذا زرت النبي r وسلمت عليه ورد على السلام يكون ذلك دعاء مستجاباً انتفع به ، فيكون r قد نفعني بدعائه بعد موته r ؟
ج . نعم الذي نفعك هو الله تعالى ببركة دعائه r ولا مانع أن تعتقد ذاك لأنه أمر ثابت لا ينكر
س. وهل يجوز لنا أن نشد الرحل لزيارته r لننتفع بدعائه . كما يجوز لنا أن نشد الرحل للنفع بالتجارة والزراعة وغير ذلك حيث إن النفع الذي يجوز شرعاً يجوز شد الرحل إليه ؟
ج. نعم يجوز لنا شد الرحل لزيارة المسجد النبوي ، لأن الصلاة فيه بألف صلاة وهذه منفعة عظيمة ، ثم نزور النبي r لننتفع بدعائه وحباً وشوقاً ووداً له r ، ثم نزور أصحابه وأهل بيه اقتداء به r فقد ورد أنه عليه الصلاة والسلام كثيرا ما كان يزور عمه حمزة وأهل البقيع وأهل بدر رضي الله تعالى عنهم
وقد ذكر علماء المذاهب في كتبهم أنه بعد انقضاء الحج يستحب التوجه إلى زيارة النبي r ، ولم يقولوا لزيارة المسجد لأنهما متلازمان
س. هل النبي r يخالف الخلق في الموت الأصغر وهو النوم ؟
ج. النبي r والأنبياء عليهم الصلاة والسلام تنام أعينهم وقلوبهم لا تنام كما ورد ذلك في البخاري ، قال عليه الصلاة والسلام (نحن معاشر الأنبياء تنام أعيننا وقلوبنا لا تنام)
س. وهل مخالفة نومهم للخلق تدل على مخالفة حالهم بعد الموت للخلق أيضاً ؟
ج. نعم يدل ذلك على مخالفة حالهم للخلق بعد الموت
س. قد أثبت الله تعالى للشهداء صفات خمس : الحياة ، وعند ربهم ، ويرزقون ، وفرحين ، ويستبشرون . فهل النبي r له تلك الصفات بعد الموت ؟
ج. نعم له ذلك وزيادة بالأولوية كما تقدم ، لأن الشهداء نالوا ذلك الإكرام بفضل الشهادة ، والنبوة والرسالة يفضلان الشهادة فضلا كبيراً بإجماع
س. النبي r تكلم مع أهل البقيع وخاطبهم مخاطبة الأحياء . فهل يجوز لنا أن نخاطبه r بمثل ذلك
ج. نعم يجوز ذلك وزيادة ، لأن حياته r أرقى من حياتهم كما تقدم وقلت بفضل ربي في ذلك نظما
وأجزم بأن المصطفى خير الورى حي وعند الله محفوظ يرى
بجسمه وروحه ويرزق في روضة شريفة ويغدق
عليه إحسان يفوا الشهدا لولاه ما كان الشهيد استشهدا
وكل فضل في الكتاب ثبتا للشهداء للرسول أثبتا
إذ أنه إمامهم والأفضل وخاتم الرسل كذلك الأول
تنام عيناه إذا ما ناما وقلبه قد حرم المناما
مخالف الخلق بنوم الدنيا مخالف في موته إذ يحيا
من بعده يكون في إكرام في روضة يرد للسلام
ويبصر الزائر عند القبر يكون معروفاً له ويدرى
بكل من يزوره في الحال من سائر النساء والرجال
علمه الإله ما لم يعلم إذ أنه الحبيب والمكرم
اللهم ارض عن القطب النفيس .. مولانا السيد أحمد ابن إدريس
الفصل الخامس والعشرون :
أدلة حياة الأنبياء في قبورهم عليهم السلام
صالح الجعفري رضي الله تعالى عنه : قد استخرت الله تعالى في جمع أحاديث تدل على حياة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لتكون دليلاً لما ذكرته لك آنفاً ، وما أحسن القول إذا كان مستنداً إلى دليل فأقول وبالله تعالى التوفيق
1- عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه قال : قال رسول الله r : (الأنبياء أحياء في قبورهم يصلون) أخرجه البهقي ، ونسبه السيوطي في الجامع الصغير إلى أبي يعلى الموصلي في مسنده ، وقال : شارحه : هو حديث صحيح أ هـ وقال صاحب نظم المتناثر من الحديث المتواتر : إن من جملة ما تواتر عن النبي r حياة الأنبياء عليهم السلام في قبورهم . وقال السيوطي في مرقاة السعود حاشية سنن ابي داود : حياة الأنبياء تواترت بها الأخبار . وقال في كتابه إنباه الأذكياء بحياة الأنبياء ما نصه : حياة النبي ما نصه : حياة النبي في قبره هو وسائر الأنبياء معلومة عندنا علماً قطعياً لما قام عندنا من الأدلة في ذلك وتواترت الأخبار الدالة على ذلك . وقال ابن القيم رحمه الله تعالى في كتاب الروح نقلا عن أبي عبد الله القرطبي : صح عن النبي r أن الأرض لا تأكل أجساد الأنبياء ، وأنه r اجتمع بالأنبياء ليلة الإسراء والمعراج في بيت المقدس وفي السماء خصوصاً بسيدنا موسى عليه السلام ، وقد أخبر أنه ما من مسلم يسلم عليه إلا رد الله عليه روحه حتى يرد عليه السلام إلى غير ذلك مما يحصل من جملته القطع بأن موت الأنبياء عليهم السلام إنما هو راجع إلى أن غيبوا عنا بحيث لا ندركهم وإن كانوا موجودين أحياء ، وذلك كالحال في الملائكة فإنهم أحياء موجودون لا نراهم
وقد دل القرآن على حياة النبي r وحياة جميع النبيين والمرسلين عليهم السلام أحياء بعد وفاتهم أيضاً ، وذلك أن الله تعالى قال (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء) فهذه الآية تدل على حياة جميع الأنبياء ، بمفهوم الموافقة وذلك أن الأنبياء أولى بتلك المنقبة من الشهداء ، وتدل على حياة نبينا r بعموم لفظها وذلك أن الله تعالى جمع له r بين النبوة والرسالة والشهادة كما صح ذلك . قال السيوطى رحمه الله تعالى : وما من نبي إلا وقد جمع بين النبوة والشهادة
قال عليه الصلاة والسلام : (إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء) مروى عن أوس من حديث طويل أخرجه ابو داود والإمام أحمد والنسائي وابن ماجه والدارمي والبيهقي في كتاب الدعوات الكبير وابن خزيمة وابن حبان في صحيحه والطبراني في الكبير ، وسعيد بن منصور في سننه وابن أبي شيبه والحاكم وصححه وأيضاً صححه النووى رحمهم الله تعالى أجمعين
وقد نظمت بفضل ربي المخرجين لهذا الحديث ؛ لكثرتهم ؛ ليسهل حفظهم :
تحريم أكل الأرض جسما للنبي قد قاله المختار خير العرب
أخرجه عشر كذاك اثنان من سادة الحديث والإتقان
وهم إمامنا أحمد والنسائي كذا ابن حبان بلا امتراء
كذا أبو داود نعم المرتقى والحاكم المشهور . ثم البيهقي
والطبراني لدى الكبير ثم ابن ماجه عالم نحرير
وابن خزيمة كذا سعيد في سنن أقوالها تفيد
وابن أبي شيبة ثم الدرامي فاحفظ حديث الفضل للأكارم
وأخرج أبو يعلي عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال : سمعت رسول الله r يقول : (والذي نفسي بيده ليتنزل عيسى بن مريم ثم لئن قام على قبري فقال يا محمد لأجيبنه)
وقال الإمام القرطبي حافظ الأندلس في حديث الصعقة عن شيخه ما نصه في تذكرته : الموت ليس بعدم محض ، وإنما هو انتقال من حال إلى حال ، ويدل على ذلك أن الشهداء بعد قتلهم وموتهم أحياء يرزقون فرحون مستبشرون
فهذه صفة الأحياء في الدنيا ، وإذا كان في الشهداء فالأنبياء أحق بذلك وأولى . وقد صح أن الأرض لا تأكل أجساد الأنبياء . وأنه r اجتمع بالأنبياء ليلة الإسراء في بيت المقدس
وفي السماء ، ورأى موسى قائما يصلي في قبره . وأخبر r أنه يرد السلام على كل من يسلم عليه . إلى غير ذلك مما يحصل من جملته القطع بأن موتهم إنما هو راجع إلى أن غيبوا عنا بحيث لا نراهم وإن كانوا موجودين أحياء ولا يراهم أحد من نوعنا إلا من خصه الله تعالى بكرامة أ هـ
وقال البيهقي في دلائل النبوة : الأنبياء أحياء عند ربهم كالشهداء وقال الشيخ تقي الدين السبكي مؤلف جمع الجوامع ما نصه : حياة الأنبياء والشهداء في القبر كحياتهم في الدنيا ، ويشهد له صلاة موسى في قبره ، فإن الصلاة تستدعي جسما حياً ن وكذلك الصفات المذكورة في الأنبياء ليلة الإسراء كلها صفات الأجسام ، ولا يلزم في كونها حياة حقيقية أن تكون الأبدان معها كما كانت في الدنيا من الاحتياج إلى الطعام والشراب ، وأما الإدراكات كالعلم والسماع فلا شك أن ذلك ثابت لهم ولسائر الموتى أ هـ
وقال البرهان اللقاني في شرح جوهرة التوحيد ما نصه الرابع أي من التنبهات : الأنبياء أحياء في قبورهم وبعد موتهم أ هـ
قال الإمام بدر الدين بن الصاحب في تذكرته ما نصه : فصل في حياته r بعد موته في البرزخ : وقد دل على ذلك تصريح الشارع وإيماؤه ومن القرآن قوله تعالى (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون)
فهذه الحالة وهي الحياة في البرزخ بعد الموت حاصلة للشهداء من الأمة ، وحاصلة لمن له هذه المرتبة لا سيما في البرزخ ، ولا تكون رتبة أحد من الأمة أعلى من رتبة النبي r ، بل إنما حصلت لهم هذه الرتبة بتزكيته وتبعيته . وقال فيها أيضاً ما نصه : وقال عليه الصلاة والسلام : (مررت على موسى ليلة أسري بي عند الكثيب الأحمر وهو قائم يصلي في قبره)
وهذا صريح في إثبات الحياة لموسى عليه السلام فإنه وصفه بالصلاة وأنه كان قائماً ، ومثل هذا لا توصف به الروح وإنما يوصف به الجسد وفي تخصيصه بالقبر دليل على هذا فإنه لو كان من أوصاف الروح لم يحتج لتخصيص بالقبر ، فإن أحدا لم يقل إن أرواح الأنبياء مسجونة في القبر مع الأجساد وأرواح الشهداء والمؤمنين في الجنة أ هـ
وقال البرهاني اللقاني في شرحه الصغير ما نصه : ونقطع بعودة حياة كل ميت في قبره . وبنعيم القبر وعذابه ، وهما من الأعراض المشروطة بالحياة لكن لا يتوقف على البينة . وأما أدلة الحياة في الأنبياء فمقتضاها أنها مع البينة وقوة النفوذ في العالم مع الاستغناء عن العوائد الدنيوية ، ومن هنا قال أبو الحسن الأشعري رحمه الله تعالى : النبي r في حكم الرسالة الآن أ هـ
وسئل البارزي رحمه الله تعالى : هل النبي r حي في قبره ؟ فأجاب : هو حي . قال الأستاذ أبو منصور عبد القادر بن طاهر البغدادي الفقيه الأصولي شيخ الشافعية في أجوبة مسائل : قال المتكلمون المحققون من أصحابنا إن نبينا محمداً r حي بعد وفاته ، وإنه يبشر بطاعات أمته ، ويحزن لمعاصي العصاة ، وإنه تبلغه صلاة من يصلي عليه من أمته
وقال : إن الأنبياء لا يبلون ولا تأكل الأرض منهم شيئاً ، وقد مات موسى عليه السلام في زمانه ، وأخبر نبينا r أنه رآه في قبره مصلياً . وذكر في حديث المعراج أنه رآه في السماء الرابعة ، ورأى آدم وإبراهيم عليهما السلام . وإذا صح لنا هذا الأصل قلنا : نبينا r قد صار حياً بعد وفاته وهو على نبوته أ هـ
وقال الحافظ البيهقي في كتاب الاعتقاد : الأنبياء عليهم السلام بعد ما قبضوا ردت إليهم أرواحهم فهم أحياء عند ربهم ، وقد رأى نبينا r جماعة منهم وأمهم في الصلاة ، وأخبر وخبره صدق أن صلاتنا معروضة عليه ، وأن سلامنا يبلغه ، وأن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء قال : وقد صنف لإثبات حياتهم كتاباً . ثم قال اللهم أحينا على سنة هذا النبي الكريم وأمتنا على مثلته واجتمع بيننا وبينه في الدنيا والآخرة إنك على كل شئ قدير
قال صالح الجعفري رضي الله تعالى ونقعنابه آمين : ودعاء هذا الشيخ يوافق ما ذكره شيخنا في صلاته العظيمية (واجمع بيني وبينه كما جمعت بين الروح والنفس ظاهراً وباطناً يقظة ومناماً) وإنما قلت ذلك خشية أن يعترض علينا ولا اعتراض علينا حيث كان لاسلافنا تابعين
وقال الشافعي عفيف الدين اليافعي : الأولياء ترد عليهم أحوال يشاهدون بها ملكوت السماوات والأرض ينظرون الأنبياء غير أموات كما نظر النبي r إلى موسى عليه السلام في قبره ، وقد تقرر أن ما جاز للأنبياء معجزة جاز للأولياء كرامة بشرط عدم التحدي ، قال : ولا ينكر ذلك لا جاهل ، ونصوص العلماء في حياة الأنبياء كثيرة فلنكتف بهذا القدر أ هـ
من أحوال أهل الكشف مع النبي r بعد انتقاله إلى الرفيق الأعلى
وحكايات العارفين كسيدي أحمد الرفاعي لما وقف عند القبر الشريف وأنشد البيتين المشهورين فخرجت يده الشريفة وصافحته مشهورة
وبالجملة فكما قال الحافظ السيوطي في رسالته في إنباه الأذكياء حياة النبي r هو وسائر الأنبياء الخ ما سبق نقله آنفاً أ هـ
قال شيخنا حبيب الله الشنقيطي رحمه الله تعالى : رسالة السيوطي إنباه الأذكياء طبعت بالهند وعندي بمكتبي منها نسخة أ هـ . ولقد سمعت منه رحمه الله أعجوبة ذكرها في أثناء درسه بالمسجد الحسيني في شهر رمضان قال : كنت معتكفاً بالمسجد النبوي في العشر الأواخر من رمضان ، فخطر بقلبي ما من الله تعالى به على سيدي أحمد الرفاعي رضي الله تعالى عنه من تسليمه ومصافحته لرسول r فدنوت من المقصورة النبوية وسلمت على رسول الله r فدنوت من المقصورة النبوية وسلمت على رسول الله r وأنشدته البيتين اللذين أنشدهما سيدي أحمد الرفاعي . فمد لي r يده الشريفة فقبلتها أ هـ
وهذه القصة ما سمعتها منه إلا في العام الذي قبض فيه
من كرامات الشيخ حبيب الله الشنقيطي مع شيخنا العارف بالله تعالى الشيخ صالح الجعفري
ولقد شاهدت منه كرامات ، منها أنني ذهب إلى بيته بجوار القلعة ناوياً بقلبي أن أستأذنه في أن أكون مقرئاً له متن حديث البخاري ومسلم ، فلما وصلت البيت وجلست بغرفة الاستقبال ، وهي أول مرة أزوره بها جاءني مبتسماً ، فلما سلمت عليه وقبلت يده قال لي : (أنت الذي إن شاء الله ستكون سراداً لي في هذا العام) ومعنى سراداً : مقرئاً . والحمد لله قد لازمته إلى الممات ، ونزلت قبره ولحدته بيدي والحمد لله
وكنت أقرأ للإخوان الحاضرين درساً قبل حضوره بالمسجد الحسيني ، فإذا عارضني إنسان أو شاغبني يهمس لي في أذني عند جلوسه على الكرسي بقوله : (يعاكسونك وأنت خير منهم) كأنه كان معي ، ثم يأتي في دروسه بكل موضوع حرفت فيه شيئاً أو ذكرته ناقصاً كأنه كان جالساً معى يسمع ما قلته ، وقد حصل ذلك منه مرات كثيرة ، وكان إذا حصل له عذر يرسل لي تلميذاً أن اقرأ الدرس نيابة عن الشيخ
وفي يوم أرسل لي ورقة مكتوبة فيها بخط يده منها (قد وكلتك بقراءة الدرس) فتعجبت من ذلك لماذا غير الشيخ عادته من المشافهة إلى المكاتبة ؟ وما أشعر إلا ومدير المساجد قد حضر وأنا أقرأ الدرس ، فسألني : وهل وكلك الشيخ قلت نعم قال : وأين التوكيل ؟ فقدمت له الورقة المرسلة من الشيخ ، ففرح بها ودعا لي بخير ، فكانت هذه كرامة منه رحمه الله تعالى وغفر له وأسكنه فسيح الجنان فإنه كان يحبني كثيراً ويقول لي : أنت بركة الدرس ، قد أجزتك بجميع إجازاتي ومؤلفاتي
قال سيدي الشيخ صالح الجعفري رضي الله تعالى عنه : أقول بفضل الله \تعالى : ومما يدل على أنه r كما هو رفع العذاب . وقد دقع وهو فيهم كقوله تعالى (وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة) أي معهم بجسمك وروحك وقول الله تعالى (إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله) والبيعة لا تنفع إلا بالإقرار بالشهادتين حينما كان r بين أصحابه رضي الله تعالى عنهم ، وبعد أن لحق بالرفيق الأعلى بقيت البيعة كما هي فلو لم يكن حيا بعد الموت ورسالته r باقية كما هي لغيرت البيعة ، وإذا كان الإسلام لا يتم ولا يقبل إلا بذكر اسمه r فذكر اسمه r وسيلة في قبول الإسلام والإيمان ، فكيف لا يكون ذكر اسمه وسيلة في قبول الدعاء الذي ليس هو بواجب وماذا يقول لنا المانع إذا قلنا : اللهم بحق لا إله إلا الله محمد رسول الله اغفر لي وارحمني
وماذا يقول لكافر إذا أسلم وقال : أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله . فهل يمنعه من قوله محمد رسول الله أو يقره على ذلك فتأمل
وقول الله تعالى (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول) وهذا الأمر باق إلى يوم القيامة
فالطاعة هي الطاعة والرسول r هو الرسول ، وطاعته الواجبة حينما كان بين أصحابه هي طاعته الآن ، ومن أنكر الأولى كفر ومن أنكر الثانية كفر ، وإنما كانت الأولى لرسول حي بجسمه وروحه . واليوم كذلك الرسالة والطاعة أفضل من الحياة ويلزم بينهما الحياة . فتأمل في قولي هذا لعلك ترشد . وقول الله تعالى : (فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا) فهل المراد بهؤلاء الصحابة فقط أم الأمة ؟ بل المراد الأمة الشاملة للصحابة وغيرهم إلى يوم القيامة إذ هو r شهيد الأمة
رؤية النبي r لله عز وجل في ليلة المعراج :
مسألة مهمة : النبي r له خصوصية عظيمة اختص بها دون جميع الأنبياء والمرسلين والملائكة المقربين وهي رؤيته لله سبحانه وتعالى . وتجلى الحق سبحانه وتعالى على جسمه وروحه ، فكسى جسمه الشريف بذلك ثوب الحفظ فصار جسمه الشريف كروحه يبقى ببقائها ويحفظ بحفظها . فله خصوصية في جسمه الشريف تزيد على جميع النبيين والمرسلين عليهم السلام
انظر كيف تقدم r في مقام تأخر عنده جبريل عليه السلام فلو كان جسماً غير جسمه r ما تحمل ذاك التجلي ولا ثبت أمام تلك الأنوار المحرقة
وقد شهد الله سبحانه له r بقوله (ما زاغ البصر وما طغى) والمراد بالبصر هنا البصر المعروف ، فبصره r لا كالأبصار ، وكذلك جسمه لا كالأجسام ، وقد كان عرقه الشريف كاللؤلؤ وأطيب من المسك ، ولا ظل لجسمه الشريف ، وكان r يرى من خلفه كما يرى من أمامه ، ونبع الماء من بين أصابعه الشريفة ، وريقه شفاء للمرضى ولمسه شفاء
قال البوصيري رحمه الله تعالى
كم أبرأت وصبا باللمس راحته وأطقلت أربا من ربقة اللمم
وقال تعالى (والله ورسوله أحق أن يرضوه) ورضا الله تعالى يكون بطاعة الله تعالى ، ورضاء النبي r يكون بطاعة الله تعالى وليعتقد الطائع أن الله تعالى راض عنه الآن ، وأن نبيه r راض عنه الآن .
قال الله تعالى لنبيه r (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) حتى الآن وإلى ما شاء الله (من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون)
وقد أحيا الله نبيه r في الحياة الدنيا بأطيب حياة ؛ لأنها حياة النبوة والرسالة والجهاد والعبادة ، وبعد الموت حياة وجزاء بأحسن ما كان يعمل r ، فإذا كان الجزاء أحسن كانت الحياة أحسن ، والجزاء الحسن يبتدئ من إخراج الروح (الذين تتوفاهم الملائكة طيبين يقولون سلام عليكم) وقال تعالى (إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا) وقال تعالى (يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية)
فهذا كله من الجزاء الحسن الأحسن عند الاحتضار وبعده . وقال r : (القبر إما روضة من رياض الجنة . وإما حفرة من حفر النار) فإمام الأنبياء والمرسلين r هو أفضل الناس حياة بعد الموت . وأعلاهم روضة في القبر ، وأحسنهم جزاء إذا كان r أفضلهم أعمالاً وأكثرهم طاعة وجهاداً وتهجداً وعبادة وتلاوة ، وأكثرهم ذكراً لرب العالمين
وقال بن حجر الهيتمي رحمه الله تعالى :
تواترت الأدلة والنقول فما يحصى المصنف ما يقول
بأن المصطفى حي طرى كبدر التم ليس له أقول
ولم تأكل له الغبراء جسما ولا لحما وأثبت ما أقول
وهذه الأبيات من قصيدة طويلة شرحها شيخنا المحدث الشيخ حبيب الله الشنقيطي رحمه الله ، وقد طبعتها مع شرحها في رسالة مخصوصة سميتها (دافعة الشقاق)
وقد كتب علماء السلف والخلف في ذلك شيئاً فراجعه إن شئت لا سيما رسالة الحافظ السيوطي رحمه الله تعالى المسماة : تحفة الأذكياء وكتابه المسمى (تنوير الحلك) ودعك عما كتبه أهل هذا الأزمان من كل قول يخالف ما كتبه خيرة السلف والخلف
كلام ابن تيمية حول التوسل بالنبي r :
ورحم الله تعالى ابن تيمية حيث يقول : والسلف الصالح كانوا يدعون بحديث الأعمى ، وإن أحمد بن حنبل رحمه الله كتب منسكاً إلى تلميذه المروزي وأمره فيه أن يتوسل بالنبي r . والشيخ ابن تيمية الحراني صادقة في نقله . ومن الذي هو أوثق من السلف الصالح والإمام أحمد حتى نتركهم ونتبعه فيما يقول ؟ وإن ليأخذوني العجاب حينما أقرأ كلام الشيخ ابن تيمية هذا وأرى من يخالفه ، وقلت بفضل ربي تعالى :
وما رواه العالم الحراني حق وصدق واضح البرهان
من أن أهل السلف الأكارم توسلوا بالهاشمي الخاتم
كذا إمام السنة ابن حنبل بالسيد المختار قد توسل
للمروزي قال في رسالة توسلن بصاحب الرسالة
قلت : والتوسل به r ذكره الشيخ ابن تيمية رحمه الله تعالى عن السلف الصالح عن الإمام أحمد رضي الله تعالى عنه والذي ذكره الحافظ عبد العظيم المنذري في كتابه (الترغيب والترهيب في باب صلاة الحاجة وهو أن عثمان بن حنيف علم رجلا له حاجة عند سيدنا عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه أيام خلافته حديث الأعمى الذي فيه التوسل به r فعلم من ذلك حياته r بعد الموت ، لأن سيدنا عمر رضي الله تعالى عنه وغيره من الصحابة أخبروا أنهم كانوا يتوسلون به r وقت حياته وتوسلهم به r بعد وفاته دليل على حياته بعد وفاته دليل على حياته بعد الموت عند ربه سبحانه وتعالى . وقد أوجب الله الصلاة والسلام عليه وقت حياته وبعد وفاته r . وأجمع العلماء على وجوب الصلاة والسالم عليه r في العمر مرة ، وقال الطحاوي رحمه الله تعالى : تجب كلما ذكر ، وارتضاه الحليمي من الشافعية رحمه الله تعالى لقوله r : (رغم أنف رجل ذكرت عنده فلم يصل على) أخرجه الترمذي والحاكم عن أبي هريرة
الفصل السادس والعشرون :
شرح حديث : " ما من مسلم يغرس غرساً " للإمام سيدي الشيخ صالح الجعفري رضي الله تعالى عنه :
وإليك هذا الإسناد المبارك للبخاري المتصل بسيدنا ومولانا وأستاذنا السيد أحمد بن إدريس رضي الله تعالى عنه . فأورى بالإجازة المباركة والسند المتصل عن أحد المشايخ عن السيد أحمد الشريف عن السيد أحمد الريفي عن السيد محمد بن على السنوسي عن السيد أحمد بن إدريس عن أبي المواهب التازي عن أي البقاء العجيمي عن البركة أبي الوفاء أحمد بن محمد العجل عن قطب الدين محمد بن أحمد الفهرواني عن والده علاء الدين أحمد بن محمد الفهراني عن الحافظ نور الدين أبي الفتوح الطاووسي عن الشيخ المعمر ثلاثمائة سنة بأبا يوسف الهروي الهندي عن المعمر محمد بن شاد بخت الفرغاني عن المعمر مائة وثلاثاً وأربعين سنة أبي لقمان يحيى بن عمار بن مقبل بن شاهان الختلاني بسماعه على محمد بن يوسف بن مطر الفربري عن أمير المؤمنين أبي عبد الله محمد بن غسماعيل بن إبراهيم بن برد وبه البخاري قال : حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا أبو عوانه عن قتادة عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله r : (ما من مسلم يغرس غرساً أو يزرع زرعاً فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة إلا كان له به صدقة)
قال شارح صحيح البخاري الشيخ القسطلاني رحمه الله تعالى : قوله r (ما من مسلم يغرس غرساً) بمعنى المغروس أي شجر . قال : (العارف بالله تعالى فضيلة الشيخ) صالح الجعفري (رضي الله تعالى عنه) : فيكون من باب إطلاق المصدر وإرادة اسم المفعول فهو مجار مرسل كما في قوله تعالى (هذا خلق الله ) أي مخلوق الله . لان المصدر حدث والحدث لا يرى وإنما ترى الذات التي قام بها الحدث فهو أحد مدلولي الفعل . قال ابن مالك رحمه الله تعالى :
المصدر اسم ما سوى الزمان من مدلولي الفعل كأمن من أمن
وهو شبيه بالروح في أنها لا ترى وإنما يرى مكانها وذلك لحكمة لطيفة ؛ لأن الروح من أمر الله وأمر الله لا يرى . والجسم من خلق الله وخلق الله يرى ، ولأن الروح تذكرك الغيب فهي من عالمه والجسم يذكرك الشهادة فهو من عالمها ، فكما أيقنت من انفعالات روحك وآثارها مع عدم رؤيتك لها آمن بأفعال الملائكة مع عدم رؤيتك لهم فإذا علمت ذلك وأيقنت به فاعلم أن الرب الأجل من الغيب وهو خالق كل شئ ولا يرى بل ترى أفعاله ؛ لأنك لو رأيته لتساوي مع خلقه وهو ليس كمثله شئ فعينك الحادثة ترى الحوادث ولا ترى القديم الأزلي ، إذ لو رأيته لكتب لك البقاء السرمدي ، ولا يفنى جسمك بعد ، ولما كتب الله الفناء على العوالم العلوية والسفلية حجب عنها ، فأهل السماء بالنسبة إلى النظر للحق جل وعلا كأهل الأرض . قال r : (لا تفضلوني على يونس بن متى) يعني حينما كنت فوق السماء السابعة ، فإن علم ربي وإحاطته بي وسماعه لكلامي كعلمه وإحاطته وسماعه ليونس في ظلمات ثلاث : ظلمة الليل ، وظلمة البحر ، وظلمة بطن الحوت . قال القسطلاني رحمه الله تعالى قوله r : (أو يزرع زرعا) أي مزروعاً فأن للتنويع ؛ لأن الزرع غير الغرس
قال (باب المصطفى صاحب الصفا والوفا فضيلة الشيخ صالح الجعفري راجي رحمة الله العلي : القول في الزرع كالقول في غرس ، وهناك غرس وزرع آخران ، فيغرس المؤمن ذرية طيبة تنفعه في الدنيا والآخرة كما في الحديث : (أو ولد صالح يدعو له) ويزرع الأعمال الصالحة المتنوعة التي أرضها صفحات القلوب ، وماؤها من سماء الغيوب ، وزرعها فعل الواجبات وترك المنهيات ورضاء بالقضاء وجهاد للنفس وشكر وصبر لدى البأساء والضراء وحين البأس ، فهنيئاً لأرض القلوب القيعان حيثما هطل عليها غيث وابل معاني القرآن ، فاهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج ، فشمرت النفس عن ساعد جدها للوصل إلى مجدها ونظرت إلى اللذا