Admin الإثنين أبريل 07, 2008 8:55 am
الباب الثالث ، وفيه فصلان
الفصل الأول : في ذكر بعض كراماته
فأما كراماته رضي الله عنه فليس يحصرها إلا من لها أبدع ، فلنتبرك بذكر نذر منها ليشنف بها السمع ، هو في معرفة الضمائر قل من يساويه ، بل نقطع بعدم من يقاربه فيها أو يجاريه . فمما له وقع في جزيرة سنار في قرية مملكتهن ، أنه لما قدمها هرع إليه جميع عظمائهم وسفلتهم ، وتلقى منه جل علمائهم وجهلتهم ، وكان فيها رجل يشار إليه بالأصابع ، وجميع أهل السلطة وأهل الدين له محب وتابع ، منتهية له الرياسة في تلك القرى لوسع عمله ، فصار في أعينهم مثله لا يصح أن يرى. فلما سمع هذا العالم بقدوم الأستاذ ، وما وقع له من أولئك من المحبة والتعلق والانقياد أخذته الغيرة أخذا شافيا ، وأرسل إليهم أن كفوا عنه حتى أكون له موافيا ، ولم يفد ذلك منهم شيئا لما رأوه وعاينوا ، فقدم بنفسه إليهم لما رآهم نبذوه وباينوا ، وكان دخوله المشئوم يوم الأربعاء ، فبمجرد وصوله أرسل للأستاذ مشيعا، إنا على محبتكم منطوون ، فغدا إن شاء الله بكم مجتمعون ، ومراده بذلك المناقشة والمناظرة ، لظنه أن ليس أحد مثله في العلوم يصادره ، فجاءت الأحباب للأستاذ يخبرونه بفساد طويته ، وهو أعرف بخبث قصده في سره وعلانيته ، فما بالي به وحياتك حتى ولا اكترث ، ولسان حاله يقول : عما قليل يتحول عماره رث ، فقامت ريح شديدة يوم الخميس منعته القدوم والخروج والتدريس ، فما جاء عليه الظهر إلا وأعلام الحمام عليه بانت ، وأصابته حمة للحمه عن عظامه أبانت ، فأرسل رسوله للأستاذ يعتذر إليه من خلف وعده بالزيارة ، وأمر بوابه خوف الشماتة أن يغلق عليه في الحين داره ، فو الله ما فرغ الناس من صلاة الجمعة في الغد إلا وقد نودي في الناس بطلوع روحه ، فارتعد لذلك كل واحد فانقلب قصده على الضد مما رامه ، وجعل الناس يذمونه ويصفونه بالملامة ، وما درى المسكين أن المحارب لأجله القوى القادر ، وغفل عن من آذى وليا فأنا لمحاربته متصادر،لكن سبقت سوابق الأقدار،وهذا كان سبب لرفع المقدار ، فلا تجد بعد ذلك أحدا من النساء والصبيان ، إلا وألسنتهم دائما تلوذ : بشيء لله ياميرغني محمد عثمان.
ومنها : ما وقع له مع أمير بلد عظيم يقال لها كردفان ، احتوت ولاته على أنواع الظلم والطغيان ، فحل به يدعو إلي الله بالسر والإعلان ، حتى تعلق به وأخذ عنه جميع ما به من رجال ونساء وصبيان ، وخلف بهذا البلد وفي قراه ما ينوف عن المائتين ، كل منهم يدعو بدعاية لله رب العالمين ، فحسده في ذلك البلد من كان قبله منتهية إليه رياستها ، وأغرى عليه وعلى أتباعه السلطنة وقال : عما قليل ستكون عند هذه الرجل مملكتها ، فقام عند ذلك أمير البلدة ينهي الناس عن الاجتماع به ، ويتوعدهم بقتله ونهبه ، وما زادهم ذلك إلا ملازمة وحضروا ، وصاروا حوله صافين عشية وبكورا. فلما رأى الأمير عصيان رعيته عليه ، والواشي دائما يركض فيه ومنه وإليه ، أمر بحبس أعيان أتباعه ولذلك أشاع ، فأغرى الشيخ رضي الله عنه من لم يحبس من الأتباع وقال له : هكذا يفعل الجبابرة بأتباعك ؟ فقال رضي الله تعالى عنه : إني رأيت القطب وكل ولي سالك ، غاروا على هذا الظالم الفاجر ، عزموا عليه وعلى أصل مملكته بقطع الدابر ، وخرج الشيخ رضي الله عنه من ذلك البلد بالعجل ، فما مضى عليهم ثلاثة أشهر إلا وقد أنجز الله الأجل ، فخرجت عليهم الدولة المصرية ، فأفنوا في ساعة واحدة كل من كان من أهل تلك الطوية.
ومنها : أنه لما دخل براري تلك البلاد ، وتعلق به من أهلها ما لايحصره التعداد ، وانتشرت بركته فيهم ، وعمت بجميع أركانهم ونواحيهم ، جاء إليه رجل من أبناء الأولياء الكاملين ، يطلب السلوك ومعه من الناس ما ينوف عن المائتين ، فأناخ ببابه رواحله والركاب ، وحل مئزره وانخضع لذلك الجناب ، أدركته في الحين وقائع الأحوال ، وعد في أيام قليلة من خواص الرجال ، فلما أذن له في السفر والرجوع معه الإذن والخلافة ، وعزم على ذلك وجمع أشتاته وأطرافه ، والحال أن هذا الرجل كالملك عند قبائله ، ضاعت عليه في الليلة التي عزم في بكرتها السفر جميع ركائبه ، وهذا الموضع فيه من اللصوص والقطاع ، ما تخشاه الأبطال ويخافه الصنديد الشجاع ، فجاءت الدعاة له بذلك مخبرين ، فأعلمه المخبر بهذه الحكاية لأنه كان معه من المتحابين. قال : فخرج علينا الشيخ رضي الله عنه لصلاة العشاء فأخبرته بذلك ، فأومأ بيده إلي جهة الضياع وقال هنالك ، والحال أن الناس قد أيقنوا من حصولها ، هو عندهم مجرب إذا ضاعت لهم أشياء هناك أيقنوا من وصولها فما أخذت المضاجع ولا تفرقنا من المجالس ، إلا وأناس يقولون : وجدت الجمال بغير حاجز وحابس ، فعلمنا أنها بالإشارة المتقدمة حفظت ، ولداعي الله ووليه وابن رسوله لبت.
ومنها : أنه كان في سفر ومعه قافلة عظيمة للتجارة وخلق كثيرون ، يبلغون ثلثمائة أو يزيدون ، بعضهم من أرض مصر ومن غيرها بلدة كبيرة من أرض السودان يقصدونها بالتجارات من سائر الأقاليم والبلدان ، وفي ذلك الطريق مفازات ينقطع فيها الماء ، فاتفق أن حملوا معهم ماء ففرغ في تلك الأرجاء ، فصار لهم ظمأ عظيم وخطب جسيم ، وذهلوا لما أصابهم واشتد بهم الكرب لما نابهم ،فجاء كل من في القافلة إلي هذا الحبر الهمام ، يستغيثون به إلي الله فيما حل بهم من الضرر و الآلام ، فأمرهم بأن يرفعوا أمتعتهم من طريق السيل والأمطار ، ورفع طرفه إلي السماء
متضرعا إلي الله تعالى في تفريج الكرب عن الأنام ،فوالله ما استتم الدعاء إلا وجاءت السماء بالغمام ، وروي من ذلك الغيث الخاص والعام . فجل من منح أولياءه وخصهم بإجابة الدعاء ومحو الشقاء ومزيد التكريم ، فقال تعالى في محكم الذكر الحكيم – ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون ، الذين آمنوا وكانوا يتقون ، لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة لا تبديل لكلمات الله ذلك هو الفوز العظيم -.
ومنها : ما حكاه بعض المحبين أنه قال : لما توجهنا مع الأستاذ قاصدين الحجاز مررنا بأرض أهلها كلهم كافرون ، والناس على مجرد المرور بهم علينا خائفون ، ولكن بفضل الله أسلم على يده ألف وخمسمائة وهؤلاء المعدودون فصارت تلك البلاد في الصباح على الصلاة والدين ، بعد إمسائهم في الكفر والمدة كلها نحو العشرين.
ومنها : لما قدم زائرا المدينة عام تسع وثلاثين بعد مضي الألف والمائتين ، جاء أتباعه يقولون : عزمنا أن نسافر ، فقال لهم : قال لي جدي : لا بد لكم عندنا من إيداع ثلاث مقابر ، فما مضى شهر إلا وقد فرط له ثلاثة أولاد ، فمنهم في البيقع شرقي قبة سيدي إبراهيم ابن الرسول سيد الأنداد ،هذا وما اجتمع عليه مريد صادق في الطلب والإرادة ، إلا وقيل مضي ثلاثة أيام أشرقت عليه علامات السعادة ، وما مر علي بلد إلا وأهله اعتصموا بحبل الله جميعا ، وحازوا بإمداداته مقاما رفيعا ، فقد خلف بحول الله ما ينوف عن الألف خليفة ،كلهم صاروا من أهل المشاهدة للذات المحمدية اللطيفة. أما غير المفتوح عليهم من الخلفاء ، فحصرهم لا يرومه ذو وفاء ، فلا تعجب من هذا بل إني سمعته يقول غير ما مر :قال لي الرسول : من صحبك ثلاثة أيام لايموت إلا وليا ، فهنيئا لنا بحصول هذه المسرة.
(أنزل الله على ضريحه سحائب الرحمة والرضوان
وأمدنا بمدده في كل وقت وأوان)
عدل سابقا من قبل Admin في الإثنين أبريل 07, 2008 10:37 am عدل 1 مرات