شباب الختمية

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
شباب الختمية

منتدى شباب الختم يتناول قضايا الشباب وفعالياتهم


    أسرا ر الصوم - الإمام الغزالي

    Admin
    Admin
    Admin


    المساهمات : 1949
    تاريخ التسجيل : 10/01/2008

    أسرا ر الصوم - الإمام الغزالي Empty أسرا ر الصوم - الإمام الغزالي

    مُساهمة  Admin السبت أغسطس 20, 2011 4:18 am

    بيان فضل الصوم والترغيب فيه
    أما بعد :فإن الصوم ربع الإيمان بمقتضى قوله صلى الله عليه وسلم الصوم نصف الصبر
    ،ومقتضى قوله الصبر نصف الإيمان ثم متميز بخاصية النسبة إلي الله تعالى من
    بين سائر الأركان ،إذ قال الله تعالى فيما حكاه عن نبيه صلى الله عليه وسلم
    : ((كل حسنة بعش أمثالها إلي سبعمائة ضعف إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به))
    وقد قال الله تعالى : (إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب) .
    والصوم نصف الصبر فقد جاوز ثوابه قانون التقدير والحساب وناهيك في معرفة فضله
    قول صلى الله عليه وسلم ((والذي نفسي بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك
    ، يقول الله عز وجل : إنما يذر شهوته وطعامه وشرابه لأجلي فالصوم لي وأنا أجزي به ))
    وقال صلى الله عليه وسلم ((للجنة باب يقال له الريان لا يدخله إلا الصائمون )) ،
    وهو موعود بلقاء الله تعالى في جزاء صومه .وقال صلى الله عليه وسلم
    ((للصائم فرحتان فرحة عند إفطاره وفرحة عند لقاء ربه ))
    و قال صلى الله عليه وسلم ((لكل شيء باب وباب العبادة الصوم )) ،
    وقال صلى الله عليه وسلم ((نوم الصائم عبادة ))


    وروي أبو هريرة رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال : (( إذا دخل شهر رمضان فتحت أبواب الجنة وغلقت أبواب النا وصفدت الشياطين ونادى مناد ياباغي الخير هلم ويا باغي الشر أقصر))
    وقال وكيع في قوله تعالى : (كلوا واشربوا هنيئا بما أسلفتم في الأيام الخالية ) سورة الحاقة ، هي أيام الصيام إ تركوا فيها الأكل والشرب ، وقد جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم رتبة المباهاة بين الزهد في الدنيا وبين الصوم فقال : ((إن الله يباهي ملائكته بالشاب العابد فيقول : أيها الشاب التارك شهوته لأجلي المبذل شبابه لي أنت عندي كبعض ملائكتي )) . وقال صلى الله عليه وسلم في الصائم : ((يقول الله عز وجل : انظرورا يا ملا ئيكتي إلي عبدي شهوته ولذته وطعامه وشرابه من أجلي )) . وقيل في قوله تعالى : (فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون ) السجدة ، قيل كان عملهم الصيام لأنه قال : ( إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب) الزمر ، فيفرغ للصائم جزاؤه إفراغا ويجازف جزافا ، فلا يدخل تحت وهم وتقدير ، وجدير بأن يكون كذلك ، لأن الصوم إنما كان له و مشرفا بالنسبة إليه وإن كانت العبادات كلها له - كما شرف البيت بالنسبة إلي نفسه و الأرض كلها له لمعنيين :
    أحدهما : أن الصوم كف وترك ، وهو في نفسه سر ليس فيه عمل يشاهد . وجميع أعمال الطاعات بمشهد من الخلق و مرأى ، والصوم لا يراه إلا الله عز وجل ، فإنه عمل في الباطن بالصبر المجرد.
    والثاني : إنه قهر لعدو الله عز وجل : فإن وسيلة الشيطان - لعنه الله - الشهوات ، وإنما تقوى الشهوات ليجري من ابن آدم مجرى الدم فضيقوا مجاريه بالجوع)) ،

    ولذلك قال صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها ؛((داومي قرع باب الجنة ، قالت :بماذا ؟ قال صلى الله عليه وسلم : بالجوع )) . فلما كان الصوم على الخصوص قمعا للشيطان وسدا لمسالكه وتضييقا لجاريه ، استحق التخصيص بالنسبة إلي الله عز وجل ، ففي قمع عدو الله نصرة لله سبحانه ، وناصر الله تعالى موقوف على النصرة له ، قال الله تعالى : (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا ) العنكبوت ، وقال تعالى : ( إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) الرعد ، وإنما التغير
    تكثير الشهوات ، فهي مرتع الشياطين ومرعاهم ، فما دامت مخصبة لم ينقطع ترددهم ، وما داموا يترددون لم ينكشف للعبد جلال الله سبحانه ، وكان محجوبا عن لقائه . وقال صلى الله عليه وسلم (( لولا أن الشياطين يحومون على قلوب بني آدم لنظروا إلي ملكوت السموات )) ، فمن هذا الوجه صار الصوم بابالعبادة ، وصار جنّة ، واذا عظمت فضيلته إلي هذا الحد فلا بد من بيان شروطه الظاهرة والباطنة بذكر أركانه وسننه وشروطه الباطنة ، ونبين ذلك ان شاء الله

    واجبات الصوم
    أما الواجبات الظاهرة فستة :
    الأول -مراقبة أول شهر رمضان :
    وذلك برؤية الهلال ، فإن غم فاستكمال ثلاثين يوما من شعبان . ونعنى بالرؤية العلم ، ويحصل ذلك بقول عدل واحد . ولا يثبت هلال شوال إلا بقول عدلين احتياطا
    للعباد ة. ومن سمع عدلا ووثق بقوله وغلب على ظنه صدقه لزمه الصوم ، وإن لم يقض القاضي به فليتبع كل عبد عبادته موجب ظنه ، وإذا رؤي الهلال ببلدة
    ولم ير بأخرى - وكان بينهما أقل من مرحلتين - وجب الصوم على الكل ، وإن كان أكثر لكل بلدة حكمها ، ولا يتعدى الوجوب.
    الثاني - النية : ولا بد لكل ليلية من نية مبيتة معينة جازمة ، فلو نوى أن يصوم شهر رمضان دفعة واحدة لم يكفه ، وهو الذي عنينا بقولنا ((كل ليلة ))
    ، ولو نوى بالنهار لم يجزه صوم رمضان ، ولا صوم الفرض ، إلا التطوع الذي عنينا بقولنا ((مبيتة )) ، ولو نوى الصوم مطلقا
    أو الفرض مطلقا لم يجزه حتى ينوي فريضة الله عز وجل صوم رمضان ، ولو نوى ليلة الشك أن يصوم غدا إن كان رمضان لم يجزه ،
    فإنها ليست جازمة إلا أن تستند نيته إلي قول شاهد عدل ، واحتمال غلط العدل أو كذبه لا يبطل الجزم ، أو يستند إلي استصحاب حال كالشك
    في الليلة الأخيرة من رمضان ، فذلك لا يمنع جزم النية ، أو يستند الي اجتهاد كالمحبوس في المطمورة إذا غلب على ظنه دخول رمضان باجتهاده ،
    فشكه لا يمنعه من النية . ومهما كان شاكا ليلة الشك لم ينفعه جزمه النية باللسان فإن النية محلها القلب . ولا يتصور جزم القصد مع الشك كما لو
    قال في وسط رمضان : (( أصوم غدا إن كان من رمضان )) ، فإن ذلك لا يضره ، لأنه ترديد لفظ ، ومحل النية لا يتصور فيه تردد، بل هو قاطع بأنه
    من رمضان ، ومن نوى ليلا ثم أكل لم تفسد نيته ولو نوت امرأة في الحيض ثم طهرت قبل الفجر صح صومها .
    (كل الكلام عن فقه الصوم على مذهب الامام الشافعي)
    الثالث - الإمساك عن إيصال شيء إلي الجوف عمدا مع ذكر الصوم :
    فيفسد صومه بالأكل والشرب والسعوط والحقنة ، ولا يفسد بالفصد والحجامة والاكتحال وإدخال المبل في الأذن والإحليل ، إلا أن يقطر فيه ما يبلغ المثانة ، وما يصل بغير قصد من غبار الطريق ، او ذبابة تسبق إلي جوفه ، أو ما يسبق إلي جوفه في المضمضة ، فلا يفطر إلا إذا بالغ في المضمضة ، فيفطر لأنه مقصر، وهو الذي أردنا بقولنا ((عمدا)) . فاما ذكر الصوم فأردنا به الاحتراز عن الناس، فإنه لا يفطر. أما من أكل عامدا في طرفي النهار ثم ظهر له أنه أكل نهارا بالتحقيق فعليه القضاء ، وإن بقى على حكم ظنه واجتهاده فلا قضاء عليه ، ولا ينبغي أن يأكل في طرفي النهار إلا بنظر و أجتهاد.
    الرابع - الإمساك عن الجماع :
    وحده مغيب الحشفة ، وأن جامع ناسيا لم يفطر ، وإن جامع ليلا أو أحتلم فأصبح جنبا لم يفطر ، وإن طلع الفجر
    وهو مخالط أهله فنزع في الحال صح صومه ، فإن صبر فسد ولزمته الكفارة.
    الخامس - الإمساك عن الاستمناء:
    وهو إخراج المني قصدا بجماع أو غير جماع ، فإن ذلك يفطر ،ولا يفطر بقبلة زوجته ولا بمضاجعتها ما لم ينزل ، لكن يكره ذلك ، إلا أن يكون شيخا أو مالكا لإبه ، فلا بأس بالتقبيل وتركه أولى . وإذا كان يخاف من التقبيل أن ينزل ، فقبل وسبق المني أفطر لتقصيره.
    السادس - الإمساك عن إخراج القيء :
    فالاستقاء يفسد الصوم وإن ذرعه القيء لم يفسد صومه ، وإذا ابتلع نخامه من حلقه أو صدره لم يفسد صومه رخصة لعموم البلوى به ، إلا أن يبتلعه بعد وصوله إلي فيه فأنه يفطر عند ذلك.

    لوازم الإفطار
    وأما لوازم الإفطار فأربعة : القصاء والكفارة والفدية وإمساك بقية النهار تشبيها بالصائمين.
    1- القضاء :
    أما القضاء فوجوبه عام على كل مسلم مكلف ترك الصوم بعذر أو بغي عذر ، فالحائض تقضي الصوم وكذا المرتد. وأما الكافر والصبي والمجنون فلا قضاء عليهم
    ، ولا يشترط التتابع في قضاء رمضان ، ولكن يقضي كيف شاء متفقا ومجموعا.
    2- الكفارة :
    وأما الكفارة فلا تجب إلا بالجماع. وأما الاستنماء و الأكل والشرب وما عدا الجماع لا يجب به كفارة ، فالكفارة عق رقبة ، فإن أعسر فصوم شهرين متتابعين ، وإن عجز فإطعام \
    ستين مسكينا مّدا مّدا .
    3- إمساك بقية النهار:
    وأما إمساك بقية النهار فيجب على من عصى بالفطر أو قصر فيه. ولا يجب على الحائض إذا طهرت إمساك بقية نهارها. ولا على المسافر إذا قدم مفطرا من سفر بلغ مرحلتين.

    أسرار الصوم وشروطه الباطنة
    اعلم أن الصوم ثلاث درجات : صوم العموم ، وصوم الخصوص ، وصوم خصوص الخصوص.أما صوم العموم فهو كف البطن والفرج عن قضاء الشهوة كما سبق
    تفصيله.وأما صوم الخصوص فهو كف السمع والبصر والللسان واليد والرجل وسائر الجوارح عن الأثام.
    وأما صوم خصوص الخصوص فصوم القلب عن الهمم الدنية والأفكار الدنيويية ، وكفه عما سوى الله عز وجل بالكلية، ويحصل الفطر في هذا الصوم بالفكر فيما سوى
    الله عز وجل واليوم الآخر ، وبالفكر في الدنيا إلا دنيا تراد للدين ، فإن ذلك من زاد الآخرة وليس من الدنيا ، حتى قال أرباب القلوب ، من تحركت همته بالتصرف في نهاره
    لتدبير ما يفطر عليه كتبت خطيئة،فإن ذلك من قلة الوثوق بفضل الله عز وجل وقلة اليقين برزقه الموعود ، وهذه رتبة الأنبياء
    والصديقين والمقربين ، ولا يطول النظر في تفصيلها قولا ، ولكن في تحقيقها عملا ، فإنه إقبال بكنه الهمة على الله عز وجل ، وانصراف عن غير الله سبحانه ، وتلبس بمعنى قوله عز
    وجل : (قل الله ثم ذرهم في خوضهم يلعبون) الأنعام
    صوم الخصوص والصالحين:
    وأما صوم الخصوص - وهو صوم الصالحين - فهو كف الجوارح عن الآثام ، وتمامه بستة أمور:
    1- صوم البصر:
    غض البصر وكفه عن الاتساع في النظر إلي كل ما يذم ويكره ، وإلي كل ما يشغل القلب ويلهي عن ذكر الله عز وجل ، قال صلى الله عليه وسلم : ((النظرة سهم مسموم
    من سهام إبليس لعنه الله فمن تركها خوفا من الله آتاه الله عز وجل إيمانا يجد حلاوته في قلبه)) وروي جابر عن أنس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه
    قال : (خمس يفطرن الصائم :الكذب والغيبة والنميمة واليمين الكاذبة والنظر بشهوة))
    2- صوم اللسان :
    حفظ اللسان عن الهذيان والكذب والغيبة والنميمة والفحش والجفاء والخصومة والمراء ، وإزامه السكوت ،وشغله بذكر الله
    سبحانه و تلاوة القرآن ، فهذا صوم اللسان ، و قد قال سفيان : الغيبة تفسد الصوم . رواه بشر بن الحارث عنه . وروى ليث
    عن مجاهد : خصلتان يفسدان الصيام الغيبة و الكذب. وقال صلى الله عليه وسلم : ((إنما الصوم جنة ، فإذا كان أحدكم صائما فلا يرفث و لايجهل ، وإن
    امرؤ قاتله أو شاتمه فليقل إني صائم )) . وجاء في الخبر ((أن أمرأتين صامتا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم
    فأجهدهما الجوع والعطش في آخر النهار ، حتى كادتا أن تتلفا ، فبعثتا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يستأذنانه في
    الإفطار ، فأرسل إليها قدحا وقال صلى الله عليه وسلم هاتان صامتا عما أحل الله لهما ، و أفطتا على ما حرم الله تعالى عليهما ، قعدت إحداهما إلي الأخرى فجعلتا
    يغتابان الناس ‘ فهذا ما أكلتا من لحومهم)).
    3-صوم السمع :
    كف السمع عن الإصغاء إلي كل مكروه ، لأن كل ما حم قوله حم الإصغاء إليه ، ولذلك سوى الله عز وجل بين المستمع و آكل السحت ، فقال تعالى : (سماعون للكذب أكالون للسحت) المائدة . وقال عز وجل ( لولا ينهاهم الربانيون و الأحبار عن قولهم
    الإثم و أكلهم السحت) المائدة ، فالسكوت على الغيبة حرام. وقال تعالى : (إنكم إذا مثلهم ) النساء ولذلك قال صلى الله عليه وسلم ((المغتاب والمستمع شريكان في الإثم )).
    4-صوم بقية الجوارح :
    كف بقية الجوارح عن الآثام من اليد والجل عن المكاه ، وكف البطن عن الشبهات وقت الإفطار . فلا معنى للصوم - وهو الكف عن الطعام الحلال - ثم الإفطار على الحرام ، فمثال هذا الصائم مثال من يبني قصرا ويهدم مصرا ، فإن الطعام الحلال
    إنما يضر بكثرته لا بنوعه ، فالصوم لتقليله . وتارك الاستكثار من الدواء خوفا من ضرره إذا عدل إلي تناول السم
    كان سفيها. والحرام سم مهلك للدين . والحلال دواء ينفع قليله ويضره كثيره . وقصد الصوم تقليله ، وقد قال صلى الله عليه وسلم : ((كم من صائم ليس من صومه إلا الجوع و العطش )) ، فقيل هو الذي يفطر
    على الحرام ، وقيل هو الذي لا يحفظ جوارحه عن الآثام.
    5- عدم الإكثار من الطعام :
    لا يستكثر من الطعام الحلال وقت الإفطار بحيث يمتلئ جوفه ، فما من وعاء أبغض إلي الله عز وجل من بطن
    ملئ من حلال . وكيف يستفاد من الصوم في قهر عدو الله وكسر الشهوة إذا تداك الصائم عند فطره ما فاته ضحوة نهاره ، وربما
    يزيد عليه في ألوان الطعام ؟ حتى استمت العادات بأن تدخر جميع الأطعمه لرمضان فيؤكل من الأطعمة فيه ما لا يؤكل في
    عدة أشهر . ومعلوم أن مقصود الصوم الخواء وكسر الهوى لتقوى النفس على التقوى . وإذا دفعت المعدة من ضحوة نهار إلي العشاء
    حتى هاجت شهوتها وقويت رغبتها ، ثم أطعمت من اللذات و أشبعت ، زادت لذتها ، وتضاعفت قوتها ، و انبعث من الشهوات ما عساها كانت راكدة لو تركت على عادتها
    .فروح الصوم وسره تضعيف القوى التي هي وسائل الشيطان في العود إلي الشرور ، ولن يحصل ذلك إلا بالتقليل ، وهو أن يأكل أكلته التي كان يأكلها كل ليلة لو لم يصم ، فأما إذا جمع ما كان
    يأكل ضحوة إلي ما كان يأكل ليلا لم ينتفع بصومه . بل من الآداب أن لا يكثر النوم بالنهار حتى يحس بالجوع والعطش ، ويستشعر ضعف القوى
    ، فيصفو عند ذلك قلبه ، ويستدسم في كل ليلة قدرا من الضعف حتى يخف عليه تهجده و أوراده ، فعسى الشيطان أن لا يحوم على قلبه،
    فينظر إلي ملكوت السماء . وليلة القدر عبارة عن الليلة التي ينكشف فيها شيء من الملكوت ، وهو المراد بقوله تعالى : (إنا أنزلناه في ليلة القدر) القدر . ومن جعل بين
    قلبه وبين صدره مخلاة من الطعام فهو عنه محجوب. ومن أخلى معدته فلا يكفيه ذلك لرفع الحجاب مالم يخل همته عن غير الله عز وجل
    وذلك هو الأمر كله ، ومبدأ جميع ذلك تقليل الطعام.
    6- تعلق القلب بين الخوف و الرجاء:
    أن يكون قلبه بعد الإفطار معلقا مضطربا بين الخوف والرجاء ، إذ ليس يدري أيقبل صومه فهو من المقربين ،
    أو يرد عليه فهو من الممقوتين ؟ وليكن كذلك في آخر كل عبادة يفرغ منها ، فقد روي عن الحسن بن أبي
    البصري أنه مر بقوم وهم يضحكون ، فقال : إن الله عز وجل جعل شهر رمضان مضمارا لخلقه يستبقون فيه لطاعته ، فسبق قوم
    ففازوا ، وتخلف أقوام فخابوا ، فالعجب كل العجب للضاحك الاعب في اليوم الذي فاز فيه السابقون وخاب فيه المبطلون . أما والله
    لو كشف الغطاء لا شتغل المحسن بإحسانه ، والمسيئ بإساءته ، أي كان سرور المقبول يشغله عن الللعب وحسرة المردود تسد عليه باب الضحك . وعن الأحنف بن قيس : أنه قيل له إنك شيخ كبير ، وأن
    الصيام يضعفك ،فقال : إني أعده لسفر طويل ، والصبر على طاعة الله سبحانه أهون من الصبر على عذابه . فهذه هي المعاني الباطنة في الصوم.



    ويجب الإمساك إذا شهد بالهلال عدل واحد يوم الشك. والصوم في السفر أفضل من الفطر ، إلا إذا لم يطق ، ولا يفطر يوم
    يخرج وكان مقيما في أوله ، ولا يوم يقدم إذا قدم صائما.
    4- الفدية :
    وأما الفدية فتجب على الحامل والمرضع إذا أفطرتا خوفا على ولديهما ، لكل يوم مد حنطة لمسكين واحد مع القضاء،
    والشيخ الهرم إذا لم يصم تصدق عن كل يوم مدا.

    سنن الصيام
    وأما السنن فست :
    1-تأخير السحور.
    وتعجيل الفطر بالتمر أو الماء قبل الصلاة.
    وترك السواك بعد الزوال.
    والجود في شهر رمضان لما سبق من فضائله في الزكاة.
    ومدارسة القرآن.
    والاعتكاف في المسجد ، لا سيما في العشر الأخير ، فهو عادة رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((كان إذا دخل العشر الأواخر طوى الفراش وشد المئزر ودأب و أداب أهله)) ، أي أداموا النصب في
    العبادة إذ فيها ليلة القدر، والأغلب أنها في أوتارها، أشبه الأوتار ليلة إحدي وثلاث وخمس وسبع ، والتتابع في هذا الاعتكاف أولى
    ،فإن نذر أعتكافا متتابعا أو نواه انقطع تتابعه بالخروج من غير ضرورة ، كما لو خرج لعيادة أو شهادة أو جنازة أو زيارة أو تجديد طهارة ، وإن خرج لقضاء الحاجة لم ينقطع. وله أن يتوضأ في البيت. ولا ينبغي أن يعرج على
    شغل آخر ، ((كان صلى الله عليه وسلم لا يخرج إلا لحاجة الإنسان ولا يسأل عن المريض إلا مبارا(أي لزيارة المريض)
    وينقطع التتابع بالجماع ولا ينقطع بالتقبيل. ولا بأس في المسجد بالطيب وعقد النكاح و بالأكل والنوم وغسل اليد في الطست، فكل ذلك قد يحتاج إليه في التتابع . ولا ينقطع بخروج بعض بدنه ((كان صلى الله عليه وسلم يدني رأسه فترجله (تسرح شعره) عائشة رضى الله عنها وهي في الحجرة)) ،
    ومهما خرج المعتكف لقضاء حاجته فإذا عاد ينبغي أن يستأنف النية إلا إذا كان نوى أولا عشة أيام مثلا. والأفضل مع ذلك التجديد.


    روح الصيام
    فإن قلت : فمن اقتصر على كف شهوة البطن والفرج وترك هذه المعاني فقد قال الفقهاء : (صومه صحيح ) فما معناه ؟ فأعلم
    أن فقهاء الظاهر يثبتون شروط الظاهر من التكليفات إلا ما يتيسر على عموم الغافلين المقبلين على الدنيا الدخول تحته . فأما علماء الآخرة فيعنون بالصحة القبول ،
    وبالقبول الوصول إلي المقصود . ويفهمون أن المقصود من الصوم التخلق بخلق من أخلاق الله عز و جل وهو الصمدية ،
    والاقتداء بالملائكة في الكف عن الشهوات بحسب الإمكان ، فإنهم منزهون عن الشهوات ، و الإنسان رتبته فوق رتبة البهائم
    لقدرته بنور العقل على كسر شهوته ، ودون رتبة الملائكة لا ستيلاء الشهوات عليه
    وكونه مبتليا بمجاهدتها ، فكلما انهمك في الشهوات انحط إلي أسفل السافلين والتحقق بغمار البهائم ، وكلما قمع الشهوات
    أرتفع إلي أعلى عليين والتحق بأفق الملائكة . والملائكة مقربون من الله عز وجل ، والذي يقتدي بهم ويتشبه بأخلاقهم يقرب
    من الله عز وجل كقربهم ، فإن الشبه من القريب قريب، وليس القرب ثمّ بالمكان بل بالصفات.
    و إذا كان هذا سر الصوم عند أرباب الألباب و أصحاب القلوب فأي جدوى لتأخير أكلة وجمع أكلتين عند العشاء مع الانهماك
    في الشهوات الأخرى طوال النهار ؟ و لو كان لمثله جدوى فأي معنى لقوله صلى الله عليه وسلم : ((كم من صائم ليس له
    من صومه إلا الجوع و العطش )) ، ولهذا قال أبو الدرداء : يا حبذا نوم الأكياس و فطرهم ، كيف لا يعيبون صوم الحمقى
    وسهرهم و لذرة من ذوي يقين و تقوى أفضل و أرجح من أمثال الجبال
    عبادة من المغترين . ولذلك قال بعض العلماء : كم من صائم مفطر وكم من مفطر صائم. والمفطر الصائم هو الذي يحفظ
    جوارحه عن الآثام ويأكل ويشرب ، والصائم المفطر هو الذي يجوع ويعطش ويطلق جوارحه.
    ومن فهم معنى الصوم وسره علم أن مثل من كف عن الأكل والجماع ، و أفطر بمخالطة الآثام كمن مسح على عضو من أعضائه في الوضوء ثلاث مرات،
    فقد وافق في الظاهر العده ، إلا أنه ترك المهم وهو الغسل ، فصلاته مردودة عليه بجهله.
    ومثل من فطر بالأكل و صام بجوارحه عن المكاره كمن غسل أعضاءه مرة مرة ، فصلاته متقبلة إن شاء الله لإحكامه
    وإن ترك الفضل. ومثل من جمع بينهما كمن غسل كل عضو ثلاث مرات ، فجمع بين الأصل والفضل وهو الكمال.
    وقد قال صلى الله عليه وسلم : (( إن الصوم أمانة فليحفظ أحدكم أمانته )) . ولما تلا قوله عز وجل : ( إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلي أهلها) النساء وضع يده على
    سمعه وبصره فقال : السمع أمانة و البصر أمانة )) ولولا أنه من أمانات الصوم لما قال صلى الله عليه وسلم : ((فليقل إني صائم))
    ، أي أني أودعت لساني لأحفظه فكيف أطلقته بجوابك؟ فإذن : قد ظهر أن لكل عبادة ظاهرا وباطنا ، وقشرا ولبا ، و لقشرها درجات ،
    ولكل درجة طبقات . فإليك الخيرة الآن في أن تقنع بالقشر عن اللباب أو تتحيز إلي غمار أرباب الألباب.


    التطوع بالصيام و ترتيب الأوراد فيه
    اعلم أن استحباب الصوم يتأكد في الأيام الفاضلة ، وفواضل الأيام بعضها يوجد في كل سنة ، وبعضها يوجد في كل شهر ،
    وبعضها في كل أسبوع . أما في السنة بعد أيام رمضان فيوم عرفة ، ويوم عاشوراء ، والعشر الأول من ذي الحجة ،
    والعشر الأول من المحم. وجميع الأشهر الحرم مظان الصوم ، وهي أوقات فاضلة ((وكان سول الله صلى الله عليه
    وسلم يكثر صوم شعبان حتى كان يظن أنه في رمضان)).
    وفي الخبر : (( أفضل الصيام بعد شهر رمضان شهر الله المحرم )) ، لأنه ابتداء السنة ، فبناؤها على الخير أحب و
    أرجى لدوام بركته . وقال صلى الله عليه وسلم : (( صوم يوم من شهر حرام أفضل من ثلاثين غيره ، وصوم يوم من
    رمضان أفضل ثلاثين من شهر حرام)) . وفي الحديث : (( من صام ثلاثة أيام من شهر حرام ، الخميس والجمعة و السبت ، كتب الله له بكل يوم عبادة
    تسعمائة عام )) . وفي الخبر : (( إذا كان النصف من شعبان فلا صوم حتى رمضان )) . وفي الخبر : ((من صام ثلاثة
    أيام من شهر حرام ، الخميس و الجمعة و السبت ، كتب الله له بكل يوم عبادة تسعمائة عام)) . وفي الخبر : (( إذا كان النصف من شعبان فلا صوم حتى رمضان )) .
    ولهذا يستحب أن يفطر قبل رمضان أياما ، فإن وصل شعبان برمضان فجائز ، فعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم مرة وفصل مرارا كثيرة . ولا يجوز
    أن يقصد استقبال رمضان بيومين أو ثلاثة إلا أن يوافق وردا له . وكره بعض الصحابة أن يصام رجب كله ، حتى لا يضاهي بشهر رمضان . فالأشهر الفاضلة
    : ذو الحجة و المحرم ورجب وشعبان.
    والأشهر الحرام : ذو القعدة وذو الحجة و المحرم ورجب ، واحد فرد و ثلاثة سرد ، وأفضلها ذو الحجة لأن فيه الحج و الأيام المعلومات والمعدودات ،
    وذو القعدة من الأشهر الحرم وهو من أشهر الحج ، وشوال من أشهر الحج وليس من الحرم ، والمحرم ورجب ليسا من أشهر الحج . وفي الخبر (( ما من أيام العمل
    فيهن أفضل و أحب إلي الله عز وجل من أيام عشر ذي الحجة ، إن صوم يوم منه يعدل صيام سنة ، وقيام ليلة منه تعدل قيام ليلة القدر ،
    فقالوا : ولا الجهاد في سبيل الله تعالى ؟ قال : ولا الجهاد في سبيل الله عز وجل إلا من عقر جواده و أهريق دمه )).
    و أما ما يتكرر في الشهر : فأول الشهر و أوسطه وآخره ، ووسطه الأيام البيض وهي : الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر .
    وأما في الأسبوع ، فلأثنين والخميس و الجمعة ، فهذه هي الأيام الفاضلة ، فيستحب فيها الصيام وتكثير الخيرات لتضاعف أجورها ببركة هذه الأوقات.
    وأما صوم الدهر فإنه شامل للكل وزيادة و للسالكين فيه طرق فمنهم من كره ذلك إذ وردت أخبا تدل على كراهته.
    والصحيح أنه إنما يكره لشيئين ، أحدهما : أن لا يفطر في العيدين و أيام التشريق فهو الدهر كله ، و الآخر أن يرغب عن
    السنة في الإفطار ويجعل الصوم حجرا على نفسه ، مع أن الله سبحانه يحب أن تؤتي رخصة كما يحب أن تؤتي عزائمه . فإذا لم
    يكن شيء من ذلك ، ورأى صلاح نفسه في صوم الدهر فليفعل ذلك . فقد فعله جماعة من الصحابة و التابعين رضي الله
    عنهم . وقال صلى الله عليه وسلم فيما رواه أبو موسى الأشعري ، ((من صام الدهر كله ضيقت عليه جهنم وعقد تسعين )) ،
    ومعناه لم يكن له فيها موضع ، ودونه درجة أخى وهو صوم نصف الدهر بأن يصوم يوما ويفطر يوما ، وذلك أشد على النفس و
    أقوى في قهرها ، وقد ورد في فضله أخبار كثيرة لأن العيد فيه بين صوم يوم
    و شكر يوم ، فقد قال صلى الله عليه وسلم : (( عرضت على مفاتيح خزائن الدنيا وكنوز الأض فرددتها وقلت أجوع يوما و أشبع
    يوما أحمدك إذا شبعت و أتضرع إليك إذا جعت )) . و قال صلى الله عليه وسلم : ((أفضل الصيام صوم أخي داود كان يصوم يوما ويفطر يوما )) .
    ومن ذلك ((منازلته صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عمر رضي الله
    عنهما في الصوم وهو يقول ، إني أطيق أكثر من ذلك ، فقال صلى الله عليه وسلم : صم يوما و افطر يوما ، فقال : إني أريد أفضل من ذلك
    ، فقال صلى الله عليه وسلم : ((لا أفضل من ذلك )) . وقد روي أنه صلى الله عليه وسلم ما صام شهرا كاملا قط إلا رمضان )) بل كان يفطر منه .
    من لا يقدر على صوم نصف الدهر فلا بأس بثلثه ، وهو أن يصوم يوما ويفطر يومين . وإذا صام ثلاثة من أول الشهر وثلاثة من الوسط وثلاثة من الآخر فهو ثلث
    ، وواقع في الأوقات الفضيلة . فالكمال في أن يفهم الإنسان معنى الصوم ،
    وأن مقصوده تصفية القلب وتفريغ الهم لله عز وجل . والفقيه بدقائق الباطن ينظر إلي أحواله ، فقد يقتضي حاله دوام الصوم ، وقد يقتضي مزج الإفطار بالصوم .
    وإذا فهم المعنى وتحقق حده في سلوك طريق الآخره بمراقبة القلب لم يخف عليه صلاح قلبه
    ،وذلك لا يوجب ترتيبا مستمرا .ولذلك روي أنه صلى الله عليه وسلم : ((كان يصوم حتى يقال لا يقوم و يقوم حتى يقال لا ينام )) .
    وكان ذلك بحسب ما ينكشف له بنور النبوة من القيام بحقوق الأوقات.
    وقد كره العلماء أن يوالي بين الإفطار أكثر من أربعة أيام تقديرا بيوم العيد و أيام التشريق ، وذكروا أن ذلك يقسى القلب ، ويولد ردئ العادات ،
    ويفتح أبواب الشهوات ، و لعمري هو كذلك في حق أكثر الخلق، ولا سيما من يأكل في اليوم والليلة مرتين. فهذا ما أوردنا ذكره من ترتيب الصوم
    المتطوع به والله أعلم بالصواب.
    تم كتاب : أسرار الصوم ، والحمد لله بجميع محامده كلها ، ما علمنا منها ، وما لم نعلم على جميع نعمه كلها ، ما علمنا منها وما لم نعلم ، وصلى الله
    على سيدنا محمد و آله وصحبه وسلم وكرم وعلى كل عبد مصطفى من أهل الأرض و السماء.

      الوقت/التاريخ الآن هو السبت أبريل 27, 2024 8:41 am